هدم الكعبة
بقلم: ريوفن كُورَتْ -14 سبتمبر 2001
ترجمة الأستاذ محمد المختار الشنقيطي -تكساس- الولايات المتحدة
إن تحطيم مركز التجارة العالمي والهجوم على البنتاغون - رمزَا القوة الاقتصادية
والعسكرية الأمريكية - لهو عمل لا يضاهيه شيء في البشاعة. والأخطر من ذلك أنه
سيصبح سابقة وإلهاما للمعتدين في المستقبل.
فخلال شهور أو أعوام معدودة - إن لم يكن الآن - سيكون في حوزة الدول الإسلامية
الأصولية وجماعات الرعب سلاح نووي تستكمل به مخزوناتها الحالية من السلاح الكيماوي
والبايلوجي. وكما دلت عليه الفظاعة في عملية نيويورك، فإن هؤلاء لن يترددوا في
اتخاذ أسلوب الإبادة الجماعية سياسة لهم.
إن منظر ركاب الطائرات وهم يُرغَمون على إلقاء أدوات حلاقتهم، ومنظر أعضاء
الكونغرس أثناء إخلاء مبنى "الكابيتول" منهم ، ومنظر الرئيس ونائب الرئيس وقد هُرع
بهما إلى الملاجئ .. كل هذا يكفي في بشاعته. لكن مرأى جو الرعب هذا مستمرا أمر لا
يمكن تحمله على الإطلاق. ويقتضي ذلك تبني استراتيجية ردع جديدة محسوبة، تُوقف زخم
الإسلام الراديكالي الذي يهدد العالم الحر. لقد أعلن الإسلاميون المتعصبون الجهاد
- الحرب المقدسة - ضد الغرب، ولا بد من رد مباشر ومناسب.
لقد اختار أعداء الحضارة الغربية مركز التجارة العالمي والبنتاغون نظرا لأهميتهما
كرمزين في مجتمعنا. فكان الهدف من تدميرهما هو إيجاد خواء سلبي في نفوس الأمريكيين
وكل المؤمنين بالديمقراطية، وتقويض ثقتنا في قوتنا. وسيكون في اللائحة مستقبلا -
لو أتيح للجهاديين الاستمرار في مسارهم - البيت الأبيض، وتمثال الحرية، وجسر
البوابة الذهبية، وساعة "بيغ بن" وبرج "إيفل"، والكرملين. فكل هذه في خطر داهم كما
يعرف الجميع، وقد انفتحت شهية أتباع الإسلام الراديكالي، ووجدوا إلهاما فيما حدث.
كنت كتبتُ من قبلُ أن أحد الردود الممكنة على العمليات الانتحارية التي يرى صاحبها
في عمله القاتل تضحية متوحشة، تضمن له مكانا في الفردوس مع اثنتين وسبعين من الحور
العِين الأبكار.. هي الإعلان الجاد أن كل من يرتكب ذلك سيتم وضع أشلائه في جلد
خنزير إلى الأبد، لكي يحرمه ذلك من تحقيق رغباته في الحياة الآخرة. وربما تبدو هذه
الفكرة بدائية وغير عقلانية بالنسبة للقارئ الغربي، لكنها تناسب نظام القيم المختل
الذي يؤمن الجهاديون بقداسته.
وبالمثل فإن الغرب يتعين عليه إيجاد وسائل أخرى لردع الجهاديين، ويجب أن نفعل ذلك
من خلال فهمهم وإجابتهم بمعايير نظام القيم الذي يؤمنون به، لا الذي نؤمن نحن به.
فما الذي يجدي قصف مطار كابول، أو قواعد طالبان العسكرية؟ لقد تم فعل كل ذلك من
قبل. ولم يؤد تعاضد كل الجهود الغربية إلى إجبار صدام حسين على الركوع. لقد فشل
جورج بوش الأكبر، وسيحتقر الناس جورج بوش الأصغر إذا كانت تلك هي الفكرة الأساسية
لمساعيه.
ففي مكة يوجد برجان طويلان، في شكل منارتين شامختين تحيطان بعلبة سوداء عريضة،
يعبدها المؤمنون، ويتجهون إليها في حجهم المقدس. وإلى هذا الشيء الرمزي يتجه كل
المسلمين في صلواتهم.
لنكن واضحين: لا ينبغي عتاب كل المسلمين على الشرور الذي يرتكبها بعض المنتمين إلى
ديانتهم. فالأغلبية الساحقة من المسلمين بشر يعيشون حياة عادية لا تعصب فيها، كل
همهم هو تنشئة أولادهم والقيام بأعمالهم. لكن دينهم ومؤسساتهم في أمريكا وفي كل
أرجاء العالم تُرِكا ليصبحا مصدرا لتفريخ التعصب والحقد الذي يهدد الآن مصير
العالم أجمع، وخصوصا الولايات المتحدة ("الشيطان الأكبر") وإسرائيل ("الشيطان
الأصغر").
إن الأمريكيين مثل الإسرائيليين يتميزون من بين الأمم باحترامهم للحياة البشرية
البريئة. وهم لا يستهدفون المدنيين عن قصد وإصرار، وإذا تضرر المدنيون عن غير قصد
بسبب العمليات العسكرية، تأسفوا على ذلك عن صدق. ولا بد أن تلتزم سياسة الردع التي
تتبناها الديمقراطيات المتحضرة بهذا المبدإ بصرامة. وإلا فإننا سننزل إلى المستوى
المنحط لأعدائنا المعلَنين، الذين يتخذون من قتل المدنيين أهم وسيلة لخدمة
سياساتهم.
لكن العالم الغربي يتعين عليه حماية شعوبه قبل أي شيء آخر، وهو ما يعني إيجاد
سياسة ردع تجعل منفذي العمليات الانتحارية والمخططين لها يفكرون جيدا قبل الإقدام
عليها. وفي كل الأحوال فإن الجهاديين برهنوا على عدم اهتمامهم بالحياة البشرية، بل
واتخاذهم من الشهادة مثلا أعلى.
لا بد أن يعلم الجهاديون بشكل لا لبس فيه - سواء بالإعلان الصريح أو من خلال
القنوات الخاصة - أن أي اعتداء قادم على هدف غربي سيكون الرد عليه ضربة عسكرية
مباشرة ومدمرة ضد واحد من رموز الإسلام الأساسية. وليس من الواضح ما إذا كانت مثل
هذه الضربة القاضية مطلوبة الآن، ردا على الاعتداء على نيويورك وواشنطن.
وتوجد سابقة لهذا في الحرب العالمية الثانية، أدت إلى إغلاق ملف الصراع الذي بدأ
بالهجوم التسللي الفظيع على "بيرل هاربر". وقد تم إنذار اليابانيين حول القنبلة
النووية قبل إلقائها على "هيروشيما و"ناكازاكي"، فلم يأخذوا الإنذار مأخذ الجد.
وحينما نفذت أمريكا تهديدها انتهت الحرب خلال أيام معدودة.
لا أحد يشك في أن هدم واحد من الرموز المقدسة في الإسلام - حتى مع عدم الإضرار بأي
مدني - سيحول العالم الإسلامي إلى حالة من الجنون والسُّعار المعادي للغرب، لكن هل
يمكن التساهل مع عملية إبادة أخرى ضد الغرب ؟؟
لندْعُ جميعا أن تبقى الأماكن الإسلامية المقدسة في خدمة المؤمنين المسالمين الذين
يعبدون الله فيها، لكن إذا تجرأ الجهاديون على ارتكاب مذبحة أخرى ضد الغربيين، وضد
رموز الحضارة الغربية، فلا بد من إقناعهم بشكل لا لبس فيه أنهم لن يجدوا أي قِبلة
يتجهون إليها حينما يحنون ظهورهم لعبادة إله الخراب الذي يعبدونه.
إننا لا نستطيع الانحناء والقبول بإهانة ومَذلة أخرى، ولا نستطيع القبول بخسارة
كبرى في الأرواح مثل الذي حدثت، ولا نستطيع الاكتفاء بمجرد الصلوات والدعوات أن
تذهب عنا هذه المشكلة بعيدا، ولا نستطيع الاقتناع بأن حلها سيكون بضربات تقليدية
على أهداف عسكرية، أو باللعبة الدبلوماسية المعتادة ..
لا بد أن يتجه الغرب الآن إلى مكة، ويتعامل بشكل مباشر مع التهديد الذي أرغمنا
رجال الجهاد الجبناء على مواجهته، ويتحدث إلى القتلة باللغة الوحيدة التي
يفهمونها".
ترجمة حرفية عن مجلة "إسرائيل من الداخل"
Israel Insider
ركن "آراء"
views
وكاتب المقال هو ريوفن كُورَتْ
Reuven Koret
المدير الناشر للمجلة.
موقع المجلة على الإنترنت هو
www.israelinsider.com